أخبار وطنية أهم وأخطر الوثائق والمراسلات السرية المسربة من وزارة الداخلية بعد الثورة
لا يختلف اثنان في أن العديد من الوثائق الهامة جدا تم تسريبها من وزارة الداخلية بعد الثورة والتي اعتبر البعض منها نقطة فاصلة في تاريخ البلاد والتي كشفت تقصير وتواطؤ بعض القيادات الأمنية وحتى السياسية، ولعلنا نتذكر تسريب وثيقة اغتيال الشهيد البراهمي والتي كشفت تقصيرا أمنيا وتعمد بعض القيادات اخفاء هذا الوثيقة وعدم التعامل معها بجدية، اضافة الى تعدد الوثائق والمعلومات التي كشفت تقصير قيادات أمنية في احباط مخطط اغتيال الشهيد شكري بلعيد، اضافة الى الوثائق الاستخباراتية التي كشفت نفس الأمر لقيادات أمنية في عملية نبر بالكاف التي راح ضحيتها عدد من الجنود.
ومن بين الوثائق المهمة التي تم تسريبها، مراسلة كان بعث بها وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو الى رئيس الحكومة السابق علي العريض والتي كشفت عن تساهل السلط القضائية مع 432 عنصرا ارهابيا متشددا واعتبرهم مورطين في قضايا ارهابية وتم اطلاق سراحهم بعد عرضهم على القضاء.
وتجدر الاشارة الى أن تفاصيل وفحوى المراسلات المسربة من وزارة الداخلية تم ذكرها خلال ندوة صحفية عقدتها المنظمة التونسية للأمن والمواطن يوم الاربعاء 6 ماي 2015 بالعاصمة تحت عنوان « رجل الأمن يطالب بالحماية القانوية لا باعتماده أداة للعودة الى الديكتاتورية».
مراسلة من بن جدّو الى العريّض تكشف تساهل القضاء مع 432 ارهابيا
بتاريخ 18 جويلية 2013 بعث وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو مراسلة تم تسريبها فيما بعد الى علي العريض وكشفت هذه المراسلة عن تساهل السلط القضائية مع 432 عنصرا ارهابيا متشددا واعتبرهم مورطين في قضايا ارهابية وتم اطلاق سراحهم بعد عرضهم على القضاء.
وقد صاحب مراسلة بن جدو كتيّب تضمن أسماء هذه العناصر مصنفة حسب الولايات .
كما كشفت مراسلة بن جدو تورط محامين في الضغط على السلط القضائية وذكرت أسماءهم ( «ص ـ ح» و»ض ـ م» و «ب ـ ط» و»ب ـ ش» و» أ ـ أ» و «س ـم» و «س ـ ط» و «ا ـ ح «). واعتبرهم بن جدو منخرطين ضمن هذه المنظومة
وتحدث بن جدو في مراسلته عن وجود ضغوطات تمارس على القضاة وتدفعهم للتساهل مع العناصر السلفية المورطة في قضايا عدلية وذلك من خلال تكرر الاعتداءات على المحاكم بكامل تراب الجمهورية بما في ذلك تعرض مقر محكمة سيدي بوزيد 2 وتونس 2 والقصرين للحرق.
فضلا عن حرق منازل عدد من القضاة كمنزل رئيس محكمة التعقيب ابراهيم الماجري ومنزل قاضي التعقيب عبد الخالق مستورة بعد تهديده.
وأشار الوزير في مراسلته الى وجود تهديدات مباشرة وغير مباشرة طالت بعض القضاة من بينهم القاضي فوزي الجبالي والقاضيتان روضة العبيدي وكلثوم كنو وقاضي التحقيق أول بصفاقس لمياء كمون .
وحذر من ممارسات هؤلاء المحامين سواء منهم المتبنين للفكر السلفي أو المتعاطفين معه واعتبرهم يمارسون ضغوطات على السلطة القضائية من خلال مواقفهم الحادة واتهام القضاة بخدمة السلطة التنفيذية وتجاوز القانون وخدمة أجندات معينة هذا الى جانب ترهيبهم والتشهير بهم في بهو المحاكم لوضعهم في موقف ضعف.
ولم تستثن المراسلة بعض الجمعيات الحقوقية على غرار « حرية وانصاف « والتي اعتبرت انهم يمارسون نوعا من الضغط المعنوي على القضاة مع تحريض المساجين من اتباع السلفية على الدخول في اضراب جوع .
وتحدثت المراسلة ذاتها عن استياء البعض من قادة الأحزاب السياسية والمواطنين من مسألة تكرر اطلاق سراح المتهمين المورطين في قضايا ذات صبغة ارهابية .
ودعا وزير الداخلية السابق السلطة القضائية الى ضرورة تطبيق القانون على هذه العناصر باكثر صرامة وبهدف حماية أمن المواطن وهيبة الدولة .
ونصت مراسلة بن جدو على جملة من المقترحات من أهمها الاسراع في فضّ اشكالية قانون الارهاب 2003 وتعديله، الى جانب توفير الحماية الأمنية للقضاة المكلفين بقضايا الارهاب وضرورة وضع خطط محكمة من شأنها أن توفر حماية للسلك القضائي ومقراته من الاختراقات بالاضافة الى اعتماد أسماء مستعارة للمشرفين على البحث في القضايا الارهابية.
وثيقة اغتيال البراهمي كشفت التقصير
تعد وثيقة إغتيال الشهيد محمد البراهمي، من أهم الوثائق المسربة من وزارة الداخلية باعتبارها كشفت تقصير بعض القيادات الأمنية التي تعمدت اخفاء هذه الوثيقة التي لو تم التعامل معها بجدية لوقع تفادي هذه الجريمة .
وتتمثل هذه الوثيقة في اشعارا وجهته وكالة الاستخبارات الأمريكية الى ادارة الأمن الخارجي التابعة لوزارة الداخلية مفاده امكانية اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي ( قبل 11 يوما من عملية الاغتيال)
ومنذ تسريب تلك الوثيقة تراشقت بعض القيادات الأمنية بالتهم في محاولة للتنصل من المسؤولية حتى أن وزير الداخلية السابق لطفي بن جدّو أكد عدم علمه بالوثيقة وأمر بفتح تحقيق داخلي كانت نتيجته تجميد بعض القيادات الأمنية دون تحميل مسؤوليات في التقصير بصفة مباشرة .
في المقابل تم تحميل المسؤولية لكل شخص اشتبه في تسريبه للوثيقة، في حين نوّهت عديد الشخصيات الوطنية والقيادات السياسية من مختلف الأحزاب المعارضة آنذاك بمسرّب الوثيقة ووصف بالوطني.
وثيقة ساهمت في كشفت جزء هام من الحقيقة وتم بمقتضاها فتح تحقيق قضائي وسماع أبرز القيادات الأمنية آنذاك من بينهم المدير العام للمصالح المختصة والذي أكد لدى استنطاقه بأن الاشعار لم يرد فقط من وكالة الاستخبارات الأمريكية بل ورد كذلك من المخبارات الجزائرية.
وثائق ومعلومات خطيرة في اغتيال شكري بلعيد
أما في ما يخص قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد فقد تعددت الوثائق والمعلومات التي كشفت كذلك تقصير قيادات أمنية في التعاطي مع المعلومات الأمنية وهو ما دفع محكمة التعقيب الى نقض قرار ختم الأبحاث لما اعتبرته تقصيرا لبعض القيادات الامنية في التعاطي مع وثائق لو تم التعاطي معها بجدية وكشفها في الابان لكان من الممكن تفادي جريمة الاغتيال أو كشف مخططي ومنفذي الجريمة .
ومن بين أبرز الوثائق المسربة والتي تعلقت بقضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد هي التي أثبتت تورط قيادات أمنية في تهريب عناصر مشاركة في اغتياله أو تهاونت في ايقافهم، وقد أكدت الوثيقة أن المتشدد مروان بالحاج صالح تردد بالقرب من منزل شكري بلعيد قبل اغتياله بأسبوع، وبالرغم من علم الداخلية بالتهديدات التي طالت الفقيد فإنه لم يتم التعامل مع هذه المعلومات بجدية، ونتيجة لذلك فقد تمكن مروان بالحاج صالح من الهروب الى القطر الليبي ومنها الى سوريا حيث قتل خلال شهر جوان 2013.
كما تم الكشف عن معلومة مفادها وجود السيارة التي تم استغلالها في عملية رصد منزل الشهيد بجهة الوردية الا أنه لم يتم التعامل مع المعلومة بجدية .
أسرار عن عملية نبر بالكاف
وفي السياق ذاته، كشفت وثائق استخباراتية تقصير قيادات أمنية في العملية الارهابية التي شهدتها منطقة نبر من ولاية الكاف والتي استهدفت شاحنة تابعة لقوات الجيش الوطني (خلال شهر نوفمبر الفارط) وتسببت في استشهاد عدد من الجنود، حيث أثبتت التقارير أنه بعد يوم واحد من العملية وجد عدد من العناصر الارهابية بزيّ عسكري بمسرح الجريمة حيث كانوا يستوقفون سيارات أجرة للبحث عن أعوان الأمن والجيش الوطنيين ويقومون بتفتيش السيارات المارة، وقد تبيّن أن من بينهم الليبي أنس بن فرج بن عبد السلام حوتي ويكنى «ابو عامر البنغازي» وحكيم بن حسن الحزّي وهو قائد المجموعة .
وبالرغم من توفر هذه المعلومات فإن التعليمات الصادرة من مدير الاقليم اقتصرت على ضرورة الترفيع في درجات اليقظة والانتباه وتكثيف المراقبة دون صدور تعليمات ميدانية .
كما أكد تقرير استعلاماتي ورد بعد 3 أيام من عملية نبر تحصّن المجموعة الارهابية التي نفذتها بأحد المنازل بجهة المحاسن المحاذية لمكان الحادثة، وقد نبّه التقرير ذاته من اعتزام المجموعة الارهابية الهروب فجر يوم 8 نوفمبر رفقة رعاة أبقار أصيلي الجهة، وأشار الى وجود سيارة نوع «ايسوزي» بيضاء اللون دون لوحات منجمية مخبأة بنفس المكان الذي تحصنت فيه العناصر الارهابية الفارة ورغم وجود كل هذه المعطيات فإنه لم يتم اتخاذ أي اجراء يذكر...
ختاما نشيرالى أن المراد من التذكير بكل هذه الوثائق المهمة والخطيرة.. والتي وقع تسريبها من وزارة الداخلية قصد كشف تقصير بعض القيادات الأمنية في بعض الملفات الخطيرة، هو أن الفصول الواردة بالباب الثاني من مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، والذي وقعت عنونته بـ«الاعتداء على أسرار الأمن الوطني»، أغلبها يجرم كل شخص يكشف عن وثائق أو معلومات أمنية باعتبارها تندرج ضمن الأسرار المهنية بل إن كل شخص يتعمد ذلك من منطق كشف الحقيقة يعاقب عقوبة بدنية ومادية متمثلة في 10 سنوات سجنا و50 ألف دينار .
ومثل هذه الوثائق لو لم تسرب لما تم الكشف عن وجود اخلالات وتقصير في الأداء الامني وكشفها هو عبارة عن مطالبة بكشف الحقيقة أولا واصلاح المنظومة الأمنية ثانيا وتحييدها.
ودعت المنظمة التونسية للأمن والمواطن في ندوتها الى توفير الحماية القانونية لكل شخص يتقدم بمعلومة أو وثيقة الى حاكم التحقيق والتعهد بحماية هويته وحمايته من الهرسلة الادارية وتجميد مساره، عوض تسليط عقوبة زجرية عليه .
إعداد: سناء الماجري